ويرد عليهم: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال كما في بعض الروايات (فحجه آدم) وهذا الحديث واضح لمن تأمله، وأن الذي غلب بالحجة هو آدم عَلَيْهِ السَّلام، فعلينا أن نأخذ روايات هذا الحديث ونتأمل معناه ونأخذ خلاصته ونرى هل هو مشكل إِلَى هذا الحد؟ أم أن الإشكال ورد عند الشبهات.
فلو أن كل أحد جعل في نفسه قاعدة، وهي أنك تأخذ الحق من الكتاب والسنة، وكلما أتاك حديث آمنت به، ثُمَّ اطلعت عَلَى معناه إن لم تفهمه، أو تسأل أهل الذكر عن معناه حتى تفهمه، فإنك بذلك لا تجد أي إشكالٍ بإذن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى؛ لأن هذا الدين لا تناقض فيه أبداً كما قال الله تعالى: ((وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً))[النساء:82] فهو من عند الله والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتكلم أيضاً من عند الله كما قال الله في نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى))[النجم:3، 4] فلا يمكن أن يكون هناك اختلاف أو تناقض.
وإن أشكل شيء فإنما قد يشكل عَلَى عقول بعض النَّاس لكن لو ردوه إِلَى أهل العلم وأهل الذكر لزال هذا الإشكال، فأكثر روايات الحديث عَلَى كثرتها وكثرت ألفاظها فيها أنه {لقي موسى آدم عَلَيْهِ السَّلام}.
ومن الممكن أن يقَالَ: أين لقي آدم موسى.
يقول لبعض العلماء: إنه لم يلقه وإنما هذا سيكون إذا التقيا في الآخرة والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر عن شيء سيقع وهذا خلاف ظاهر الحديث.
فما الذي يجعلنا نقول: إنه لم يلقه وإنما سوف يلقاه؟ بل نقول: لقيه وعادت الأرواح في الملأ الأعلى ونحن لا ندرك منه شيئاً إلا ما جاءنا عن الله وعن رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكن عندنا علم أن الأرواح تتلاقى وتتزاور وتتخاطب وأن لها أموراً لا نعلمها عند الله تَعَالَى لا نعلمها وأكمل حياة برزخية هي للأنبياء، ولهذا فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قابلهما وقابل غيرهما من الأَنْبِيَاء ليلة أسري به إِلَى السماء، ودار بينهما هذا النقاش وهذه المحاجة عندما لقي موسى آدم.
وهذا الحديث أيضاً فيه دليل عَلَى إثبات اليد لله تَعَالَى كما في آخره {وكتب لك التوراة بيده} في كلا القولين عَلَى هذه الرواية إثبات اليد لله تَعَالَى.